الشيخ د.السيد نوحنسأل أنفسنا الآن: ما مكانة ومنزلة رمضان بين الشهور؟
والجواب: لرمضان مكانة عظيمة، ومنزلة رفيعة بين سائر الشهور يشهدها ما خصه الله –عز وجل- به من فضل ورحمه.
* وأول هذا الفضل وهذه الرحمة: أن الله جعله وعاءً لنزول كتابه الكريم خلاصة الوحي الإلهي الذي أنزل على الأنبياء والمرسلين. وجعله هدىً ورحمةً، وموعظةً وشفاءً لما في الصدور. فقال عنه: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ.........." يونس:8
" قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء....... "فصلت: 44.
" ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ........." البقرة:1. وقال عن نزوله: " إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ". وقال: " إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ" الدخان.
وإذا كان المكان يشرف ويبارك بمن يخل فيه من أهل الشرف والبركة، فكذلك الزمان يشرف ويبارك بما يقع فيه من أعمال شريفة، وأفعال مباركة.
* وثاني هذا الفضل، وهذه الرحمة: أن الله فرض صيام نهاره، والصوم سمو بالروح إلى مستوى الملأ الأعلى، فيصبح الصائم ربانياً مع الربانيين أو ملكاً مع الملائكة، وإن كان يتحرك على الأرض في صورة بشر. باختصار يصبح المرء بالصوم الصحيح من المتقين، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ........." على أن قال: " شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ..." البقرة..
وشهر يصبر فيه الصائم من المتقين لهو ذو مكانه عظيمة ومنزلة رفيعة.
* وثالث هذا الفضل، وهذه الرحمة: أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- سن قيامه قولاً وعملاً، ووعد عليه من ربه أجراً وثواباً عظيماً، فقال فيما رواه البخاري في الصحيح من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" وأي فضل، وأي شرف يفوق زماناً فيه يتوب الله على العصاه والمذنبين بسبب ما كان منهم من قيام في جوف الليل والناس غافلون أو لاهون، فيتجاوز عن سيئاتهم، ويرفع من درجاتهم؟
* ورابع هذا الفضل وهذه الرحمة: أن الله خصة بليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فقال: " وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ". وقال النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه البخاري في الصحيح من حديث أبي هريرة تتمة للحديث الذي قدمنا منذ قليل: "ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
ولأهمية العمل في هذه الليلة سنّ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إحياء الليالي التي يظن أن تقع فيها، وهي ليالي العشر، فأحياها بنفسه، ومع أصحابه، وطلب للناس إحياءها إلى يوم الدين، تقول عائشة –رضي الله عنها- فيما أخرجه البخاري في الصحيح: "كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شدّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله", ويقول أبو هريرة –رضي الله عنه- فيما أخرجه في الصحيح: "كان النبي- صلى الله عليه وسلم-: يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً".
* وخامس هذا الفضل، وهذه الرحمة: أنه في رمضان: تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب جهنم، وتسلسل الشياطين لا بماردتها وعنانها إذ يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه البخاري ومسلم ، واللفظ للبخاري: "إذ جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وفي رواية أخرى: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين".
وسواء أكان هذا الكلام على حقيقته أم كان مصروفاً عنها إلى المجاز فإنه من خصائص شهر رمضان: فتح أبواب الجنة، وتغليق أبواب النار وحبس الشياطين، والله سبحانه بيده الملك، وهو على كل شيء قدير.
* وسادس هذا الفضل وهذه الرحمة: مشروعية السحور، وأن فيه البركة إذ يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه البخاري في الصحيح من حديث أنس بن مالك –رضي الله عنه-: "تسحروا، فإن في السحور بركة" ويقول فيما أخرجه أحمد في المسند من حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- "السحور بركة، فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله، وملائكته يصلون على المتسحرين"، وبركة السحور تحصل كما يقول ابن حجر بجهات متعددة منها: "اتباع السنة- مخالفة أهل الكتاب والتقوى على الطاعة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب في الصدقة على من يسأل إذ ذاك، أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام".
تحيات اخوكم في الله عماد