قول إحداهن :
[إن الثقة بالنفس هي طريق النجاح في الحياة]
قلتُ وأنا أخالفها في ذلك
لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول)
اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين)
فإذا وكلنا الله إلى أنفسنا فقد وكلنا إلى ضعف و عجز وضيعة ..
وقد سٌأل الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية سابقاً في فتاواه المجلد الأول
س:- قول من قال تجب الثقة بالنفس ؟
أجاب:- لا تجب ولا تجوز الثقة بالنفس في الحديث ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين
ثم قال الشيخ رحمه الله للسائل :
أخشى أن هذا غلطة منك !!لا أظن أن إنساناً له عقل يقول ذلك .
انتهى .
لا تجوز الثقة بالـنَّفْس ؛ لِعِدّة اعتِبارات :
الأول :
أن الـثِّقَـة لا تَكون إلاَّ بالله ، ولِذا قال الله تبارك وتعالى : وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ، وقال عزّ وَجَلّ: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ .. وهذا يُفيد أن التوكّل – كما سبَق – لا يَكون إلاَّ على الله ، والثِّقَة جُزء من التوكّل .. إذ قد عَرّف ابن القيم التوكّل بأنه : اعْتِمَاد القَلَب على الله وحْدَه ، واليأس مما في أيدي الناس .
قال في كِتاب " الفوائد "
: وسِرُّ التَّوَكًّل وحَقِيقَتُه : هو اعْتِمَادُ القَلَبِ عَلى اللهِ وحْدَه .
الثاني :
أنّ من اعْتَمَد على نَفسِه فقد اعتَمَد على عَجِز وضعف وعورة . ومَن وُكِل إلى نَفسه فقد خُذِل ..
وفي الْحَدِيث : " مَن تَعَلَّق شَيئا وُكِل إليه " رواه الإمام أحمد والترمذي ، وحسّنه الألباني . وذلك أنَّ القَلب متى اعتمَد على غير الله ورَكَن إليه وُكِلَ الإنسان إلى ما وَثق به ، أو إلى من اعتمَد عليه ..
الثالث :
أنّ الله عزّ وَجَلّ إذا أراد خُذلان عَبْد وَكَله إلى نَفْسِه وهذه عُقوبة مِن عُقوبات الذُّنُوب
قال ابن القيم رحمه الله في ذِكْر عَقوبات الذُّنُوب: فَيُنْسِيه عُيوب نَفْسه ونَقصها وآفاتها ، فلا يَخْطُر بِبَالِه إزالتها وإصلاحها . وأيضا فَيُنْسِيه أمْرَاض نَفسه وقَلبه وآلامها ، فلا يَخْطُر بِقَلْبِه مُدَاواتها ولا السَّعْي في إزالة عِللها وأمراضها التي تؤول بها إلى الفساد و الهلاك ؛ فهو مَريض مُثْخَن بِالْمَرَض ، ومَرَضُه مُتَرَامٍ به إلى الـتَّلَف ولا يَشْعُر بِمَرَضِه ولا يَخْطُر بِبَالِه مُداواته
.
وهذا من أعظم العقوبة للعامة والخاصة . فأيّ عقوبة أعظم من عقوبة مَن أهْمَل نَفْسَه وضَيَّعَها ونَسِي مصالِحَها وداءها ودَواءها ، وأسباب سعادتهما وصلاحها وفلاحها وحياتها الأبدية في النعيم المقيم . اهـ .
الرابع :
أنه قد جاء في الحديث :
" ولا تَكِلْنِي إلى نَفْسِي طَرْفَة عَين "
والواثِق بِنفسه مَوْكُول إلى نَفسه كما تَقَدَّم .
قال الشيخ الفَاضِل بَكر أبو زَيد في " مُعْجَم الْمَناهي اللفْظِية: " في تَقْرِير للشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله تعالى - لما سُئِل عن قَول مَن قَال : " تَجِب الثِّقَة بالـنَّفْس " أجَاب : لا تَجِب ، ولا تَجُوز الـثِّقَة بالـنَّفْس في الحديث : ولا تَكِلْنِي إلى نَفْسِي طَرْفَة عَين .
قال الشيخ ابن قاسم مُعَلِّقًا عليه :
وجاء في حديث رواه أحمد : وأشْهَد أنك إن تَكِلْنِي إلى نَفْسِي تَكِلْنِي إلى ضَيْعَة وعَوْرَة وذَنْب وخَطِيئة ، وإني لا أثِق إلاَّ بِرَحْمَتِك . اهـ .
والله تعالى أعلم .
12/9/1427 هـ .
كتبه الشيخ/ عبدالرحمن السحيـم