هل هي آلات ذكية؟ فكّر مرة أخرى

كانت تُعرف أولى أجهزة الكمبيوتر شعبياً "بالعقول الإلكترونية"، لذا، ما الذي يمكن أن يكون طبيعياً أكثر من تلك الآلات الحساسة ظاهرياً لتمثيل ذلك الذكاء الاصطناعي؟

على أية حال، فإن الذكاء الاصطناعي – Artificial Intelligence ، لم يرتقِ مطلقاً لتحقيق الوعود التي صُمم من أجلها. حتى أن المصطلح يبدو قديم الطراز.

يفضّل أصحاب الاختصاص هذه الأيام عبارة "تعلّم الآلة – machine learning"، من أجل وصف تصميم "عوامل الذكاء – intelligent agents"، أو الأنظمة التي لديها شيء من الوعي بالبيئة المحيطة بها، وقدرتها على الاستجابة مع ما يتلاءم مع الظروف المتغيرة.

هنا مثال على ذلك. في مختبر شركة مايكروسوفت في جامعة كامبريدج، كان الباحثون يعملون على صناعة كاميرا فيديو، مصممة من أجل المكالمات الهاتفية المصورة، وهي مزودة بذكاء داخلي، بحيث لا يكون على المشاركين التفكير بشأن ما إذا كانوا "ظاهرين على الكاميرا"، ومرئيين.

تعمل هذه الكاميرا وكأن هنالك مصوراً في الداخل، فهي تتعقب المشاركين وهم يتحركون في المكان: "إن هذا الاتصال المصوّر طبيعي، وشفاف"، كما يقول أندرو بليك، وهو عالم أبحاث مرموق.

إن المشروع يُدعى "آي تو آي" – Eye to Eye، وهو برنامج فرعي لمشروع أكبر يُدعى "سي سليت – C-Slate"، حيث يشمل كمبيوتراً شخصياً محمولاً يمكن استخدامه كنطاق عمل مشترك حين يتعاون المستخدمون عن بعد.

"كان ذلك بمثابة نموذج توضيحي لشكل المبدأ إذا ما تمكنا من تطوير نظام جيد جداً، بحيث يريحك من تحمل عناء السفر بدافع الاجتماعات"، كما يقول الأستاذ بليك.

إن مشروعي "آي تو آي"، و"سي سليت" يمثلان عدداً من النقاط بشأن النهج الحديث نحو الذكاء الاصطناعي. أولاً، من خلال تحسين جودة ومنفعة عقد المؤتمرات عن بعد، حيث يشبعان حاجة عملية متأصلة.

ثانياً، إنهما يتميزان بتقنية استخدام غير معقدة، وغير مرئية جوهرياً بالنسبة للمستخدم، حيث لا يشملان آلات بشرية، أو أنظمة ذات جودة مبهرجة.

يقول الأستاذ بليك: "إن الهدف هو صناعة ذكاء ضمن الآلات المألوفة، وأبسط مثال على ذلك هو النص التنبؤي. فنحن بالفعل لا نريد أنظمة تقوم بالمهام بنفسها".

ثالثاً، إن المهام المطلوب منها القيام بها تقع ضمن حدود التقنية القائمة.

"أنظمة خبيرة"، يتم استخدامها بمجرد عجز الحلول البسيطة، والمباشرة، التي يمكن أن تحوّل استخدام الذكاء الاصطناعي في النشاط العملي للتمكن من الإيفاء بوعودها مبكراً ببساطة لأن المهمة تتسم بالتعقيد الشديد.

كانت الفكرة هي صب معرفة الخبير في الأنظمة الكمبيوترية، واستخدامها في حل المشكلات. ولكن، كما يشير كيشور سوامينثان، كبير العلماء في مؤسسة أكسنتشر للاستشارات، فإن التقنية لم تعمل على نحوٍ جيد بما يكفي: "إن أكبر عقبة اعترضت طريق البحث في مجال الذكاء الاصطناعي هي الحصول على المعرفة من عقول الخبراء وزرعها في الآلات".

"في وقت من الأوقات، كان هنالك موظفون بألقاب مثل، إخصائي اكتساب المعرفة، حيث كان دوره التقاط المعلومات كخوارزميات وتشفيرها، ولكن برغم النجاح الضئيل، فلم ترتق التقنية إطلاقاً".

إن ما تغيّر منذ تلك الأيام هو توفر القدر الضخم من المعلومات المتعلقة بالناس والأشياء، وبالأخص عبر الشبكة.

يضع الأستاذ بليك ثلاث نقاط: "أولاً، تمحور التقدم المفاجئ في الذكاء الاصطناعي خلال الأعوام الـ 155 الماضية في احتمالات تعلّم الآلة. ويقرّ ذلك بأن الذكاء لابد أن يشمل التعامل مع الشك.

ثانياً، إن السمة المميزة لمرونة تفكير البشر هي تكيّفه مع الغموض، ولذلك هنالك حاجة إلى أن يستفيد الذكاء الاصطناعي من الاحتمالات.

ثالثاً، إن المساهمات الفعلية في النشاط التجاري من قبل الذكاء الاصطناعي لا تتحقق من أنظمة تلقائية، مثل الرجال الآليين الموجودين في الخيال العلمي التقليدي، ولكن من جانب مدربين ومساعدين أذكياء".

يوافق أغلب الخبراء على أن الاحتمالية هي مفتاح الذكاء الاصطناعي الحديث.

يقول سوامينتان: "أغلب بحوث اليوم، والذكاء في مجال النشاط العملي، تستند على نموذج إحصائي يعمل عن طريق استخراج الذكاء الموجود أصلاً في العالم كأنماط".

تقدّم شركة إدارة علاقة الزبائن؛ "رايتناو تكنولوجيز"، التي تشمل قاعدة زبائنها شركة الخطوط الجوية البريطانية، ومجموعة الاتصالات البريطانية، مثالاً على ذلك، حيث تطوّر الشركة برمجية تبسّط على الناس استجواب مواقع الإنترنت، وإيجاد المعلومات.

إنها تقوم بذلك من خلال "التعلم" من كل زيارة زبون إلى الموقع، واستخدام المعرفة في تطوير التجربة بالنسبة لزائرين لاحقين. فكلما زاد عدد الزوار إلى الموقع، زاد نجاح أداء البرمجية.

يقول دوج وارنر، الذي يرأس جهود الأبحاث في الشركة: "هنالك حجم كبير من الحركة على الشبكة، وبالنسبة لي كباحث، فإن ذلك أمر رائع لأنك في الذكاء الاصطناعي تتعامل مع أساليب إحصائية، تبحث عن الأنماط ضمن كم هائل من البيانات".

ترتكز برمجية الشركة على تقليد البيئة المحيطة ضمن نظم من صنع الإنسان - biomimicry، بالاستفادة من الدروس الموجودة في الطبيعة. وفي هذه الحالة، تكون الاستفادة من فعالية مستعمرة النمل، وذكاء الأسراب، في تطوير خوارزميات فعالة.

بمقارنة أسلوب الذكاء الاصطناعي السابق، أي النهج التنازلي، مع دراسته الحالية، يقول وارنر: "في رأيي، حققنا أكبر نجاح من خلال النهج الإحصائي التصاعدي في تقليد الطبيعة".

"يمكن أن نكون على دراية بكثير من الأمور كبشر، ولكن العمليات الثورية التي قادت العالم على مدار ملايين الأعوام تنطوي على الكثير من المعرفة المتأصلة، ونحن على الأرجح سنحقق الخطى الأسرع بمحاكاة ما تم صقله من خلال العمليات الحيوية".

بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الباحثين، يدرسون الأحياء الأساسية في سعيهم لتحسين تعلّم الآلة.

كانت شركة آي. بي. إم رائدة في هذا المجال، وتواصل الآن الاستثمار بكثافة في أبحاث الذكاء الاصطناعي. ويعمل دارميندرا مودا، وهو عالم في مختبرات الأبحاث التابعة للشركة في ولاية كاليفورنيا، على الحوسبة الإدراكية التي يعرّفها كنموذج كمبيوتري يعرض في الوقت ذاته خصائص راسخة في العقل البشري، وهي تشمل الفهم والعاطفة.

إن هدفه هو كشف كيفية عمل الدماغ، وليس العقل، حيث يسارع في التأكيد على ذلك.

في العام الماضي، تمكنت مجموعته من تحقيق ركيزة مميزة عن طريق النجاح في تدبّر تقليد عملية دماغ الفأر على كمبيوتر "آي. بي. إم، بلو جين" – Blue Gen الخارق.

يقول أيضاً: "وظفنا المحاكاة على شريحة معالجة 4096 بلو جين/ إل سوبر كمبيوتر بذاكرة سعتها 256 ميجا بات لكل معالج.

كنا قادرين على تمثيل ثمانية ملايين خلية عصبية، و6.300 نقطة تشابك عصبية لكل خلية عصبية في تيرابايت من الذاكرة الرئيسة للنظام".

بالطبع ستمر فترة زمنية طويلة قبل أن يكون بالمقدور أن نشهد منافع هذه الدراسة ضمن منتجات فعلية.

يعتقد مودا أن من الممكن أن يستغرق الأمر عشرة أعوام قبل أن تحقق الحوسبة الإدراكية من هذا النوع التي يعمل عليها، ظهورها الأول في الأنظمة الإنتاجية، والأمنية. وعلى أية حال، فهنالك قفزة ضخمة منذ عام 1956 حين حاكى كمبيوتر "آي. بي. إم" الخارق في ذلك الحين إطلاق النار من مجرد 512 خلية عصبية.

بالنسبة للبعض، على أية حال، فإن مبدأ الرجال الآليين الأذكياء يحتفظ بسحره. وتواصل شركة هوندا العمل على الرجال الآليين الذين يحملون صفات بشرية قادرة على الرقص، وصعود السلالم، وحمل المشروبات.

يقول كلايف لونجبوتوم، المحلل الذي يعمل لدى شركة كوشيركا للاستشارات، إنه حتى تلك التطورات لا تزال في مراحلها الأولى، وهي تشير إلى أن العلماء يقتربون أكثر من الرجال الآليين العمليين الذين سيكونون قادرين على الحلول محل البشر في بعض المهام.

ويضيف لونجبوتوم: "انقضى أقل من نصف قرن منذ أن كتب إسحق أسيموف، أنا والرجل الآلي لدينا الكثير لنتحدث عنه. ويحتوي صندوق الألعاب اليوم على الكثير لتحسبه على طريقة الذكاء الاصطناعي في تمثيل كيف يمكن أن يكون شكل الانفجار، أو الانهيار المفاجئ، أو التفاعل بصورة مثيرة".

"إن القوة التي تشملها صندوق اللعب المسمى "إكس بوكس 360 "، أو "بلاي ستيشن 3"، أكبر من قوة الكمبيوترات الرئيسة المستخدمة من قبل مؤسسات كبيرة قبل عشرة أعوام فقط"، كما يشير لونجبوتوم.

إن قدرة الإنترنت على جمع، والتدقيق في كم هائل من البيانات، وقوة الكمبيوترات الخارقة الحديثة على تحليل، وتصوير أنظمة ضخمة معقدة، عملت على إعادة الذكاء الاصطناعي إلى بقعة الضوء.

كما يقول مودا من "آي. بي. إم"، عن عمله في الحوسبة الإدراكية، فسوف تثبت هذه التقنية نفسها بطرق لا يمكننا حتى تخيلها في أيامنا هذه.