أبواب الخير في الليالي العشر
العشر الأول من ذي الحجة من نفحات الله تعالى على هذه الأرض؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدًا" (أورده السيوطي في الدر المنثور عن أنس)، وهي أبواب خير تفتح للمؤمنين خلال العام، يسن فيها العمل الصالح.
وقد ثبت فضل العشر الأوائل من ذي الحجة بكتاب الله سبحانه وتعالى وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى: "والفجر * وليال عشر"، وصحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها "أنه ما من أيام أحب إلى الله تعالى العمل فيهن من هذه الأيام، يعني أيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن يخرج الرجل بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء" رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر؛ فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" (رواه أحمد).
ومن أظهر أسباب فضل وامتياز هذه الأيام العشر من ذي الحجة، اجتماع أفضل العبادات فيها، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج.
من أشهر العبادات
الصلاة:
فيستحب التبكير إلى الفرائض والإكثار من النوافل وأفضلها قيام الليل، حيث ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا كل ليلة، حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول: "أنا الملك أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر"، ويستحب كذلك كثرة السجود؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة" رواه مسلم.
الصيام:
وهو أعظم الأعمال الصالحة، وقد ورد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع من ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر" (رواه أحمد وأبو دواد والنسائي)، ويمتاز الصيام بأن الله تعالى اصطفاه لنفسه كما في الحديث القدسي: "قال الله تعالى: كل عمل بني آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به"، وهو العبادة التي لا يمكن أن يدخلها رياء، ومن ذلك صيام يوم عرفة الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" (رواه مسلم).
الصدقة:
التصدق والإنفاق في أيام ومواسم الخير في وجوه الخير على الفقراء والمحتاجين ثوابه عظيم عند الله؛ لأن الله تعالى يضاعف الصدقة أضعافًا كثيرة، فذلك قوله تعالى: "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًّا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون"، وقال الله تعالى: "آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير"، وقال الله تعالى: "من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له وله أجر كريم"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فُلوّه حتى تكون مثل الجبل" متفق عليه. وإن الصدقة في السر تقي مصارع السوء، وتطفئ غضب الرب، ففي الحديث الذي رواه الترمذي قال صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع عن ميتة السوء".
السنة المنسية!!
التكبير في الأيام العشر:
قال صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام أعظم عن الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" (رواه أحمد)،
فالتكبير المطلق يجوز من أول ذي الحجة إلى أيام العيد، له أن يكبر في الطرقات وفي الأسواق، وفي منى، ويلقي بعضهم بعضًا فيكبر الله، قال الإمام البخاري: "كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما" وقال: "وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرًا".
والتكبير المقيد فهو ما كان عقب الصلوات الفرائض، وخاصة إذا أديت في جماعة، كما يشترط أكثر الفقهاء. وكذلك في مصلى العيد.. في الطريق إليه، وفي الجلوس فيه، على الإنسان أن يكبر، ولا يجلس صامتًا.. سواء في عيد الفطر، أو عيد الأضحى؛ لأن هذا اليوم ينبغي أن يظهر فيه شعائر الإسلام، ومن أبرز هذه الشعائر التكبير.. وقد قيل "زيّنوا أعيادكم بالتكبير".
الدين المعاملة!!
إن من أفضل العبادات التي يمكن أن يتقرب بها الإنسان إلى ربه في هذه الأيام هو التعامل بالإسلام والتخلق بأخلاقه؛ لأنها الشكل العملي التطبيقي للدين بكل ما فيه، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في حسن تعامله وأخلاقه التي قال عنها الله تعالى: "وإنَّك لعلى خلقٍ عظيم"، ويقول تعالى: "فبما رحمةٍ من الله لِنْتَ لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضُّوا من حولك"، ويقول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "لم يكن رسول الله فاحشًا ولا متفحِّشًا"، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ خياركم أحاسنكم أخلاقًا" (رواه البخاري)، وإن من حسن التعامل: