-بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
" إن الله تبارك و تعالى قبض قبضة بيمينه فقال : هذه لهذه و لا أبالي و قبض
قبضة أخرى ، يعني : بيده الأخرى ، فقال : هذه لهذه و لا أبالي " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 78 :
رواه أحمد ( 55 / 68 ) عن أبي نضرة قال :
" مرض رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل عليه أصحابه يعودونه ،
فبكى ، فقيل له : ما يبكيك يا عبد الله ! ألم يقل لك رسول الله صلى الله عليه
وسلم : خذ من شاربك ثم أقره حتى تلقاني ؟ قال : بلى ، و لكني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : ( فذكره ، و قال في آخره : ) فلا أدري في أي
القبضتين أنا " .
و إسناده صحيح .
و في الباب عن أبي موسى و أبي سعيد و غيرهما فليراجعها من شاء في " مجمع
الزوائد " ( 6 / 186 - 187 ) .
و حديث أبي موسى في " حديث لوين " ( 26 / 1 ) و فيه روح بن المسيب و هو صويلح
كما قال ابن معين .
و اعلم أن الباعث على تخريج هذا الحديث و ذكر طرقه أمران :
الأول : أن أحد أهل العلم و هو الشيخ محمد طاهر الفتني الهندي أورده في كتابه
" تذكرة الموضوعات " ( ص 12 ) و قال فيه : " مضطرب الإسناد " ! و لا أدري ما
وجه ذلك فالحديث صحيح من طرق كما رأيت ، و لا اضطراب فيه ، إلا أن يكون اشتبه
عليه بحديث آخر مضطرب أو عنى طريقا أخرى من طرقه ، ثم لم يتتبع هذه الطرق
الصحيحة له . و الله أعلم .
و الثاني : أن كثيرا من الناس يتوهمون أن هذه الأحاديث - و نحوها أحاديث كثيرة
- تفيد أن الإنسان مجبور على أعماله الاختيارية ، ما دام أنه حكم عليه منذ
القديم و قبل أن يخلق بالجنة أو النار ، و قد يتوهم آخرون أن الأمر فوضى أو حظ
فمن وقع في القبضة اليمنى كان من أهل السعادة ، و من كان من القبضة الأخرى كان
من أهل الشقاوة ، فيجب أن يعلم هؤلاء جميعا أن الله ( ليس كمثله شيء ) لا في
ذاته و لا في صفاته ، فإذا قبض قبضة فهي بعلمه و عدله و حكمته ، فهو تعالى قبض
باليمنى على من علم أنه سيطيعه حين يؤمر بطاعته ، و قبض بالأخرى على من سبق في
علمه تعالى أنه سيعصيه حين يؤمر بطاعته ، و يستحيل على عدل الله تعالى أن يقبض
باليمنى على من هو مستحق أن يكون من أهل القبضة الأخرى ، و العكس بالعكس ، كيف
و الله عز و جل يقول : ( أفنجعل المسلمين . كالمجرمين . ما لكم كيف تحكمون ) .
ثم إن كلا من القبضتين ليس فيها إجبار لأصحابهما أن يكونوا من أهل الجنة أو من
أهل النار ، بل هو حكم من الله تبارك و تعالى عليهم بما سيصدر منهم من إيمان
يستلزم الجنة ، أو كفر يقتضي النار و العياذ بالله تعالى منها ، و كل من
الإيمان أو الكفر أمران اختياريان ، لا يكره الله تبارك و تعالى أحدا من خلقه
على واحد منهما ( فمن شاء فليؤمن ، و من شاء فليكفر ) ، و هذا مشاهد معلوم
بالضرورة ، و لولا ذلك لكان الثواب و العقاب عبثا ، و الله منزه عن ذلك .
و من المؤسف حقا أن نسمع من كثير من الناس حتى من بعض المشايخ التصريح بأن
الإنسان مجبور لا إرادة له ! و بذلك يلزمون أنفسهم القول بأن الله يجوز له أن
يظلم الناس ! مع تصريحه تعالى بأنه لا يظلمهم مثقال ذرة ، و إعلانه بأنه قادر
على الظلم و لكنه نزه نفسه عنه كما في الحديث القدسي المشهور :
" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ... " و إذا جوبهوا بهذه الحقيقة ، بادروا
إلى الاحتجاج بقوله تعالى : ( لا يسأل عما يفعل ) ، مصرين بذلك على أن الله
تعالى قد يظلم و لكنه لا يسأل عن ذلك ! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا
كبيرا ، و فاتهم أن الآية حجة عليهم لأن المراد بها - كما حققه العلامة
ابن القيم و غيره - أن الله تعالى لحكمته و عدله في حكمه ليس لأحد أن يسأله عما
يفعل ، لأن كل أحكامه تعالى عدل واضح فلا داعي للسؤال .
و للشيخ يوسف الدجوي رسالة مفيدة في تفسير هذه الآية لعله أخذ مادتها من
ابن القيم فلتراجع .
هذه كلمة سريعة حول الأحاديث المتقدمة حاولنا فيها إزالة شبهة بعض الناس حولها
فإن وفقت لذلك فبها و نعمت ، و إلا فإني أحيل القارىء إلي المطولات في هذا
البحث الخطير ، مثل كتاب ابن القيم السابق ، و كتب شيخه ابن تيمية الشاملة
لمواضيع هامة هذه أحدها .........
والله تعالى اعلى وأعلم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لاتنسو أختكم بالدعاء بارككم الرحمن الرحيم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :
(( فإن القصد و العمل إن لم يكن بعلم كان جهلا و ضلالا و اتباعا للهوى كما تقدم. و هذا هو الفرق بين أهل الجاهلية و أهل الإسلام